لقد قدّم جاليليو إلى العالم إنجازًا جليلًا عندما اخترع التلسكوب ذا العدسات، فاستطاع العالم من خلاله أن يغزو الفضاء، ويرى ما لم يكن يراه من قبل، وبعدها ازداد فضول العلماء يومًا بعد يوم، فلم يُشبع تلسكوب جاليليو فضولهم، وتوالت الابتكارات، والاختراعات، يومًا بعد يوم، وكان اختراع الحاسوب نقلة نوعيّة وكميّة في تاريخ العلم، ولم يكن الفضاء بعيدًا عن هذه النقلة النوعيّة والكميّة، التي أحدثت طفرةً في كلّ ما يتعلّق بالفضاء، وأجهزة رصد ذلك الفضاء الواسع، فكان الرادار وحدًا من ثمار ذلك العلم، والذي اتّسع مجال استخدامه، ولم يقتصر على الفضاء وحسب، وإنما امتدّ إلى مجالات أخرى، فما هو الرادار؟ وكيف يعمل؟ فهو موضوع مقالنا، فتابعونا.
تاريخ اختراع الرادار
استطاع الفيزيائيّ الألمانيّ “كريستيان هولسماير” عام 1904م، الكشف عن وجود سفينة وسط الضباب، عن طريق استخدام موجات الراديو، ولكن لم يكن بوسعه تحديد تلك المسافة الفاصلة بين نقطة الرصد والسفينة، وتوالت المحاولات بعد ذلك.
فاستطاع العالم نيكولا تسلا عام 1917م، تطوير فكرة هولسماير، في إيجاد طريقة لحساب المسافة بين نقطة الرصد والهدف، من خلال العلاقة بين الموجة ومستوى طاقتها، حتى جاء عام 1940م، فكان تاريخ ميلاد الرادار المعروف اليوم على يد العالم الفيزيائيّ البريطانيّ روبرت واتسون.
والذي تمكّن من إرسال إشارة لاسلكيّة من خلال موجات الراديو، لتصطدم بجسم في الفضاء، ثمّ نجح في استقبالها مرّة أخرى، والتعرف على ذلك الجسم، مع تحديد مسافة الهدف بالنسبة لمنطقة الرصد، وكان ذلك بصدد إيجاد طريقة للكشف عن الطائرات التي تُفقد في ظروفٍ غامضة، إبان الحرب العالميّة الثانية.
ولم يكن هذا فحسب، بل تمكّن من تتبّع حركة الطائرات وهو في نقطة الرصد، ثمّ توالت التحديثات والتطويرات التي أجريت على الرادار، وإدخال برامج الحاسوب عليه، حتّى وصل إلى ما هو عليه الآن.
تعريف الرادار
ممّا سبق يُعتبر الرادار اختراعًا حديثًا نسبيًّا، وهو عبارة عن: “نظام يُستخدم في إرسال موجات الراديو – الموجات الكهرومغناطيسيّة- من منطقة الرصد، ويستقبلها مرّة أخرى بعد انعكاسها من الهدف؛ للكشف عن الأجسام سواء الثابتة أو المتحركة على الأرض، أو في الجوّ، أو البحر، أو الفضاء، كالمركبات، والطائرات، والغوّاصات، وتحديد سرعتها، ومسافتها، وارتفاعها، وكذلك حالات الطقس، والتضاريس الجغرافيّة”.
كيف يعمل الرادار
يعتبر الرادار عبارة عن نظام متوافق من مجموعة من الأجهزة، أو الوحدات المتكاملة التي تعمل سويًّا؛ للوصول إلى هدف واحد، ويمكن تناول كيفيّة عمل الرادار من خلال توضيح مكوّناته، ثمّ كيفيّة عمله، وذلك على النحو التالي:
أوّلًا: مكوّنات الرادار
يتكون الرادار من مجموعة من الأجهزة الوظيفيّة، وهي:
- وحدة الإرسال: وتقوم بإصدار موجات الراديو الموجّهة- موجات كهرومغناطيسيّة – معلومة التردّد، والتي يتمّ تضخيمها عبر المضخّم الخاصّ بذلك إلى الهوائيّ.
- وحدة الهوائيّ: وهي التي تقوم باستلام تلك الموجات عبر المضخّم ونشرها في الهواء، ثمّ استلامها مرّةً أخرى بعد انعكاسها من الهدف.
- وحدة الاستقبال: وهي التي تقوم بتلقّي الموجات المنعكسة من الهدف، من خلال وحدة الهوائيّ.
- وحدة التشغيل: وهي التي تقوم بمعالجة البيانات المتمثّلة في الموجات المنعكسة والملتقطة من الهوائيّ، والتي تلقتها من وحدة الاستقبال.
- وحدة العرض: ويقتصر دورها على عرض البيانات والمعلومات الصادرة عن وحدة التشغيل.
ثانيًا: آليّة عمل الرادار
تعتمد فكرة عمل الرادار على حساب الزمن المستغرق من بداية بثّ الموجة الكهرومغناطيسيّة من الرادار، وانعكاسها مرّةً أخرى من الهدف، ومن خلال معرفة سرعة الموجة والزمن المستغرق، يتمّ تحديد مسافة الهدف من نقطة الرصد، وتتبّعه أيضًا.
استخدامات الرادار
يعتبر الرادار إنجازًا عصريًّا بمعنى الكلمة، وله فوائده التي لا تُحصى في السلم والحرب، والتي يمكن تناول بعضٍ منها فيما يلي:
- تحديد أماكن الأهداف الطائرة بكلٍ دقّة، ورصدها.
- تحديد سرعة الأجسام المتحرّكة.
- كشف النقاط والأجسام المجهولة بمسح المنطقة من خلاله، كاكتشاف الجزر النائية داخل المحيطات.
- اكتشاف ورصد الجسيمات الفضائيّة.
- الكشف عن الغوّاصات والأجسام الغريبة العميقة في المياه.
يعدّ الرادار نتاجًا لتراكم جهود علماء عظام، أفنوا حياتهم في محراب العلم وخدمة البشريّة، فلهم كلّ الشكر والامتنان، ولكن بقي علينا نحن الدور في أن نُحسن استخدام ما قدّموه لنا، في أن نغرس زيتونة السلام لا غرقد الحرب.
التعليقات